تختلف أشكال الملابس من بلد لأخرى تبعا لاختلاف الثقافة السائدة والعادات والتقاليد بل إن البيئة المحيطة تترك آثارها على شكل الملابس والأزياء الخاصة بأهل تلك البلاد ومن شاكلة ذلك " الشماغ الأحمر" ذاك الزي المميز لسكان منطقة الخليج العربي وأهل الشام.
ما تفسير وجود "الشماغ الأحمر" ؟
مازال سكان منطقة الخليج يحافظون على هويتهم وثقافتهم منذ القدم ويظهر ذلك جليا في نمط حياتهم وشكل ملابسهم ومنها " الشماغ الأحمر" فما هو أصل الشماغ ، وكيف نشأ بين سكان تلك المنطقة العربية؟
تعتبر الملابس جزء مهم من ثقافات الشعوب,والتي بدورها تتشكل تبعا لمحددات كثرة من أهمها العوامل الجوية, في البيئة الباردة على سبيل المثال تفرض الكثير، من الملابس السميكة, وقد تعتمد بشكل عام على الجلود، كما هو الحال في شعوب الاسكيمو، وكذلك سكان المناطق الجبلية, فهم دائما ما يستعملون من الملابس ما يسهل الحركة في بيئتهم الصعبة. اما في البيئة الصحراوية، فالمسألة تتعلق بالبقاء حياً في أصعب وأكثر المناطق جفافاً في العالم، في الصحراء الكبرى الممتدة من المحيط الى الخليج, تفرض نفسها على كل من يعيش او يمر بها, فتجد العربي في الجزيرة العربية متلثم بشماغه والطوارق في المغرب العربي.
يعتبر الشماغ بمثابة غطاء للرأس وهو أمر شائع بين غالبية الشعوب القديمة والحديثة وبالأخص إذا كان هؤلاء السكان في بيئة صحراوية حيث يحميهم اشعة الشمس الحارقة وكذلك للحماية من ذرات الرمال المتطايرة في الأجواء الصحراوية.إذا الحاجة العملية هنا هي ما تحكم طبيعة الملبس ويمكن أن نضيف لها العوامل والمحددات الاخرى الثقافية والاجتماعية مع التعود عليها على طول السنين, لأن الظروف الجغرافية لا تتغير بسرعة، فنجد أن ارتداء العقال قد ارتبطت بمفاهيم والكرامة والشرف.
يمكن أن تؤثر بعض العوامل الأخرى على نمط اللباس والتبادل التجاري والثقافي بل وربما الغزو بما يحمله من قيم وثقافة مختلفة بل ولغة مختلفة كلها عوامل يمكن أن تؤدي ليس فقط لتغيير الثقافة وشكل الملبس بل لتغيير الهوية بشكل كامل ومحوها ، فيحدث أن تنتقل بعض الاشياء من بلد إلى أخر، ولكنها لا تؤدي إلى تغيير النمط السائد تماما فالسدارة او الفيصلية مثلاً ادخلها الملك فيصل الاول الى العراق ثم انتشرت بين الطبقة المثقفة .
ما هو أصل الشماغ الأحمر ومتى ظهر ؟
اما الشماغ فيوجد الكثير من التأويلات التاريخية له وأول ظهور له وأين كان ، ويستند في هذا الرأي للدكتور قيس جواد الغريري الذي يرى ان الشماغ الأحمر يرجع ابتكاره الى السومريين, فقد شهدت صناعة النسيج في عهدهم تطور كبير، حيث لبسوا على رؤوسهن قطعة من القماش الابيض, ووضعوا فوقها شبكة صيد، لان هذا كان عملهم ونشاطهم الرئيسي، ويظهر ويقول انه من الواضح تاريخيا ان أول من يرتدي الشماغ قطعة واحدة , الحاكم السومري " كوديا " والذي حكم في الفترة (2146-2122 ق.م) حيث اعتقد ان من يرتدي العقال يجمع م بين السلطتين الدينية والدنيوية.
يتحدث الدكتور قيس هنا عن الشماغ أو اليشماغ المنتشر في العراق وفلسطين، والذي اشتهر بلبسه قادة وحكام كالملك حسين أو ياسر عرفات، وهو ويختلف بشكل بسيط عن الشماغ الأحمر المنتشر حالياً في منطقة الخليج العربي.
يُعتقد أن أصل كلمة شماغ يعود إلى اللفظ السومري ( اش ماخ ) وتعني غطاء رأس عظيم أو (اش ساخ ) اي غطاء الكاهن العظيم، وهو يعارض القول بأن أصل الكلمة مأخوذ من الكلمة التركية ( يشمك ) التي تعني ما يشد على الرأس، ولكن من الثابت تاريخيا أن لبس الشماغ لم يكن يوماً من التراث التركي، بل هو تقليد عربي تم نقله من العراق، وأخذوا معه المسمى ذو الاصل السومري، ثم تم إدخاله للغة التركية.
أيضا من الروايات التي تقال عن أصل و انتشار الشماغ الأحمر في منطقة الخليج انه الى الجنرال الإنجليزي ( جلوب باشا )، والذي تولى قيادة الجيوش الاردنية بين عامي 1939م الى 1956م حيث فرض لبسها على الجنود الأردنيين، مما أدى إلى انتشارها بين أفراد الشعب .
تمرعملية تصنيع " الشماغ الأحمر" بعدة مراحل مثل إبداع التصاميم بالإضافة إلى اختيار أفضل الأقطان مع تحديد الطريقة التي يتم بها غزلها وصبغها وآليات نسجها، يشتهر لبس الشماغ في أوقات وأماكن معينة مثل الزواجات والمناسبات الرسمية وأيضا في أوقات العمل، وبالرغم من التطور الذي مر به الشماغ بحكم التقدم التقني في صناعة النسيج ومواكبة متطلبات الحياة العصرية وبالرغم موجة العولمة إلا أنه ما يزال ركن أساسي في الهوية العربية.
يبقى أخيرا أن نؤكد على أنه حتى وإن انتفت الحاجة العملية له، فإن ذلك لا يدعونا إلى التخلي بسهولة عن جزء هام من تراثنا وهويتنا، فعلى الرغم مما قد يراه البعض من انه مظهر سطحي، إلا انه يترك انطباع وتأثير في جوهر الافكار،وكما قال مالك بن نبي في كتابه " شروط النهضة " أن الجبهة قد تصنع القسيس, أي أن اللباس الخارجي يوحي عن العقلية التي ترتديه.